الخميس، 28 أبريل 2016

مقامات السالكين - محمد الدحيم

مقامات السالكين 

1: مقام التعرّف
السالك إلى الله يتعرف عليه بحبه ، فهو يذكره ويشكره ، ويتعرف على أمره الكوني بعظمة جلاله وقيوميته وكمال قدرته ، فيُحدث له ذلك جمال الطريق إليه وشغف الوصول إليه . ثم يتعرف على أمره الشرعي فيفعل منه ما يستطيع ولا يكلف نفسه ما لا طاقة لها به ، لعلمه أن التكلف خروج عن طريقه ﷻ  إلى حظ الذات ، وخروج من لذة العبادة إلى مشقة التكلف . فالحقيقة أن اليُسر هو الطريق وأن اليسير مع الحب كثير .

 2 : مقام التعظيم
على قدر المعرفة بالله وتمامها يكون التعظيم ، وروح المعرفة الربانية هو الإجلال والتعظيم . وهذا المقام يكون دخولاً في الحكمة الإلهية والسير في أسرارها والاختيار من اختيارها . ولا يكون التعظيم بخوف وقلق وتشدد وتنطع واستهلاك للذات ، بل بالشهود لجلال وجمال صاحب العظمة سبحانه والشغف للحياة بأسرار حكمته وألطاف فضله وإحسانه ، والتنعم بكرم جوده وإحسانه والتشرف بذكره وشكره والتحدث عن عطائه . فالتعظيم إظهار للمحبة في عالم الوجود ورؤية الموجود بجلال وجمال مُوجِده سبحانه. فيهب الله صاحب هذا المقام هيبة وجلالاً وجمالاً وحكمته يجعلها في قلبه ويجريها في حركاته ( أفعاله وأقواله ) فيكون في حياة النعيم إلى جنات النعيم ، وفي طريق النور إلى النور .

3: مقام التفرغ
وهو حالة ولحظة يكون فيها الإنسان جاهزاً ومستعداً ومتألقاً غير منشغل أو عالق بقواطع الطريق وآفات الأفكار والقناعات ، يجد نفسه مُسارعاً مُشتاقاً إلى قداسة الحب وجمال اللقاء وشغف المناجاة وأسرار الذهول والدهشة مع الله ( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ ) ليتحول إلى مستقبل مندهش لكرم الكريم ولطف الخبير وجمال القدير وقوة القيوم ، لينسى حاجته ولم يُنسى فيُعطى فوق ما يرغب ( وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب ) فبجلاله ما أجمل التفرغ له والأُنس به والقرب منه . وأي عبارة تكشف عن مكنون القلب المسرور إلا كـ ( لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك ) اللهم اهدنا بك إليك ودلنا بك عليك .

4: مقام الْلُطف 
 ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ والعبد حين يشعر بلطف اللطيف ويتذوق هذا الشعور ويتحرك من خلاله ، يجد أن الله يتلطف به في كل حال ويحيط به لطفه من كل جانب . فيتنقل في مقام اللطف وأسراره وفتوحاته . فتفتح له أبواب الخيرات وتتنزل عليه البركات ، ويدركه اللطف الرباني في لحظات تضيق به السُبل وتنغلق عليه الأسباب فإذا باللطف يُغير الحال ويفتح الأبواب ، وتتجلى خفاياه في الذات والحياة ، وتأمل كيف قرن الله بين ( الخلق واللطف ) في قوله ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ و ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ ففي كل شي لطفه الذي يتجلى للسالكة قلوبهم إليه بشهود لطف جلاله وفيض جماله سبحانه وبحمده وتبارك اسمه .

 
 5 : مقام الجمال
 ( الله جميل يُحب الجمال ) وصاحب المقام يعشق جمال الله وجمال الطريق إليه . فالجمال دليله وبرهانه في الفعل وفي الترك ، فما يليق بالجمال يسارع فيه ، وما لا يليق بالجمال يتركه ويبتعد عنه . وسوف يقوده الجمال إلى الجمال ، فتجمل أخلاقه وأقواله وأفعاله ، وتجمل أحواله القلبيه ويشرق النور فيه ويسير به إلى الخيرات وتكشف له به أسرار البركات . فبقدر ما فيه من الجمال يجد الجمال ويتصل به . وصاحب المقام إذا وجد في ذاته تعثرات جسمانية أو ذهنية أو شعورية عاد إلى حقل الجمال وراقب حركته في خارجه ثم شاهد انعكاس الحركة في داخله فإذا ما تم الاتصال بالجمال ذهبت التعثرات والتشوهات وعاد كما هي حكمة الخالق ﷻ في خلقه في أحسن تقويم .

 6 : مقام الفرح
( فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ ... ) ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ) فالسالك إلى الله يفرح بفضله العظيم ويبتهج بكرمه الواسع ويستقبل عطائه العام والخاص . فهو في حال الشهود لجمال الإحسان ويترقى لشهود جمال المُنعم ﷻ . فالفرح والبهجة مقام عظيم من مقامات فيض الحب وذوق رفيع في التعبير عن الاحتفاء بتلقي العطاء . والسالك لايتحدث عن النعم والفضل العظيم كمترقت لزوالها أو مقارناً لحاله قبل حدوثها !! بل هو مراقب للحظة المدهشة وشاهد على ذاته وهي تعشق جمال اللحظة العطائية والإحسانية ويحتفي بها . ولا يسمح لما يدمرها أو يقلل منها أو يجادل حولها فهي مقام عظيم لا ينزل عنه بعد أن ارتقى إليه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق